د. مهدي عامري
Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!الحياة لعبة مسلية و سلسلة لا تنتهي من الاختيارات.
في مسرح الحياة، نحن أمام اختيارين رئيسيين لا ثالث لهما : إما أن نصطف في صفوف المتفرجين مكتفين بالتصفيق والإعجاب، أو نصعد إلى خشبة المسرح ونؤدي أدوارنا باتقان، حاملين فوق اكتافنا عبء المسؤولية و الرغبة المشتعلة في الإنجاز.
إن اختيار موقعك في هذه الثنائية لا يتعلق فقط بموقفك الشخصي، بل يعكس فلسفة حياتك وتوجهك في مواجهة التحديات اليومية.
و كما قال الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه : “الحياة ستبدو أقل ثقلاً إذا نظرنا إليها كرقصة، لا كعبء ثقيل”. فالسؤال الأهم هنا: هل ستكون مجرد متفرج يصفق للراقصين أم ستنضم إليهم على خشبة المسرح؟
ان التاريخ والفلسفة يعجان بالشخصيات التي وقفت في مواقع مختلفة من هذا المسرح العظيم. لقد قسّم أرسطو البشر إلى صنفين في كتابه السياسة : الذين يتخذون القرار والذين يتبعونه. وبينهما، هناك المتفرجون، الذين يراقبون ويصفقون ويعيشون في ظل خيارات الآخرين.
ان إحدى أبلغ العبارات في هذا الصدد تأتي من الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، الذي قال: “الوجود يسبق الجوهر”. وهذا يعني أن أفعالك هي التي تحدد قيمتك ومعناك، وليس ما تراقبه أو ما تختار ألا تفعله. فعندما تختار موقع المتفرج، فإنك تسمح للآخرين بكتابة قصتك. أما إذا اخترت أن تكون فاعلاً، فإنك تكتب مصيرك بيديك.
اما في الإسلام، تؤكد النصوص القرآنية على أهمية العمل والسعي. يقول الله تعالى:
> “وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ” (النجم: 39)
ان هذه الآية تختصر فكرة الحصاد الشخصي للعمل. فليس لك إلا ما تقوم به. لا أجر ولا مكافأة تأتي لمجرد الوقوف في زاوية المسرح والتصفيق للآخرين. و إذا أردت الجوائز والمكافآت، عليك أن تتحرك وتبذل الجهد.
وفي موضع آخر، يقول الله تعالى:
> “فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ” (الشرح: 7-8).
هنا، نكتشف ان هذه الدعوة القرآنية إلى العمل المستمر والجدية تضعنا أمام خيار واضح: لا مجال للتراخي أو الاكتفاء بدور المتفرج.
اليابانيون، الذين يعيشون وفق فلسفة إيكيغاي (سبب الوجود)، يؤمنون بأن لكل فرد دوراً يلعبه في المجتمع، وأن تحقيق السعادة يكمن في إيجاد هذا الدور وأدائه بإتقان. تقول الحكمة اليابانية الشهيرة:
> “اسقط سبع مرات، و قف ثماني..”
تُعلّمنا هذه العبارة أن الإنجاز يتطلب صبراً ومثابرة، وأن النجاح لا يُمنح لمجرد الحضور أو المشاهدة، بل هو ثمرة الجهد المستمر. لا مكان في هذه الحكمة لأولئك الذين يكتفون بالتصفيق للآخرين. و إذا أردت مكاناً على قمة النجاح، عليك أن تخوض التجربة بنفسك، بغض النظر عن عدد مرات الفشل.
اما في الأدب الأمريكي، فكانت هناك دائماً نزعة إلى تمجيد العمل الفردي والاختيار الشخصي. يقول الروائي الأمريكي الشهير مارك توين في هذا السياق :
“بعد عشرين عاماً من الآن، ستندم على الأشياء التي لم تفعلها أكثر من الأشياء التي فعلتها. لذا، تخلّص من قيودك، و أبحر بعيداً عن الميناء الآمن، واغتنم الرياح التي تدفعك نحو المغامرة.”
ان هذه الكلمات الرنانة الملهمة تجسد المعضلة التي يواجهها المتفرج: هل ستبقى في مكانك آمناً، مكتفياً بمشاهدة إنجازات الآخرين، أم ستغتنم الفرصة لتكتب قصتك الخاصة؟
من المؤكد ان الميناء الآمن قد يوفر لك الراحة والهدوء، لكنه لن يمنحك المجد ولا الجوائز. فقط المغامرة والعمل الجاد هما ما يجعل حياتك جديرة بالاحتفاء.
عزيزي.. إذا اخترت أن تكون متفرجاً، فإنك تضع نفسك في موقف الراصد للأحداث دون أن تكون جزءاً منها. قد يكون التصفيق ممتعاً للحظات، لكنه لا يترك أثراً دائماً. أما الإنجاز، فهو الذي يُخلد في الذاكرة ويصنع تاريخ الأفراد.
و الان اسمح لي ان اضع بين يديك الاستراتيجيات الذهبية للتحول من متفرج إلى فاعل :
1. تحديد الأهداف الشخصية: لا يمكن أن تصبح فاعلاً دون أن تعرف ما تريد تحقيقه.
2. العمل على تطوير المهارات: الإنجاز يتطلب أدوات، وهذه الأدوات تُكتسب بالتعلم والتدريب.
3. المجازفة المحسوبة: لا تخشَ المغامرة، لكن خطط لها بحكمة.
4. العمل الجماعي: النجاح غالباً ما يكون نتيجة تعاون مشترك.
5. الاستفادة من الفشل: نعم هذا صحيح ! فوفق الحكمة اليابانية، الفشل جزء من الرحلة.
ختاما، اعلم ان اختيارك بين دور المتفرج والفاعل هو ما سيحدد قيمة حياتك. هل ستكتفي بالتصفيق والاحتفال بإنجازات الآخرين، أم ستنضم إلى السباق وتصنع إنجازاتك الخاصة؟
إن الإجابة على هذا السؤال تعكس فلسفتك في الحياة. وكما يقول المثل الشائع: “السفينة الراسية في الميناء آمنة، لكنها لم تُصنع لذلك”. فالحياة قصيرة، والفرصة تنتظر أولئك الذين يتحركون.
لذا، اختر موقعك بعناية.
أستاذ باحث في التواصل و خبير التنمية الذاتية