في قلب أحد الأحياء الشعبية بمدينة فاس، تتجسد اليوم سوق القرب الإمام علي كقصة نجاح حقيقية في مجال التنمية المحلية.
فبعد سنوات من إعادة تأهيلها في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لم تعد هذه السوق مجرد فضاء لتبادل السلع، بل أصبحت رمزا حيا للتحول الحضري والتماسك الاجتماعي والتحسن الملموس في الحياة اليومية.
فحالما يدخل الزائر إلى السوق، تستقبله مشاهد نابضة بالحياة، تكاد تكون مسرحية: أرصفة مليئة بالبضائع، ألوان زاهية، وانتعاش لافت.
طماطم بلون الياقوت الأحمر، وقرع بخضرة الزمرد وبرتقال حلو المذاق، ونعناع مقطوف لتوه… كل شيء هنا يعكس الوفرة والحيوية. الأجواء مفعمة بالبهجة، حيث تعلو أصوات الباعة، وضحكات الزبائن، والنداءات، والمفاوضات الودية.
في الممرات المنظمة بعناية، تسير الحركة بسلاسة، والأرضية نظيفة والسقف الحديث يوفر الظل والبرودة، خاصة خلال فصل الصيف. بعيدا عن الفوضى والعشوائية التي ميزت الأسواق غير المهيكلة سابقا، تقدم سوق الإمام علي نفسها اليوم كفضاء منظم وآمن وشامل.
فضاء بيع الأسماك بدوره لا يشذ عن هذه القاعدة الجديدة من الجودة. سردين طازج، قريدس لامع، وحبار لا يزال رطبا، موضوعة على أسرّة من الثلج وتُحفظ في ظروف صحية مثالية. بائعو السمك، بروحهم المرحة، ينادون المارة بفخر وابتسامة.
هذا التحول، الذي حظي بإشادة كل من الباعة والزبائن، هو ثمرة مجهود جماعي أشرفت عليه السلطات المحلية بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. ويحكي رشيد، بائع خضر وفواكه منذ أكثر من عشرين سنة، بتأثر “قبل إعادة التهيئة، كنا تحت رحمة الرياح والشمس والمطر. السوق كانت عشوائية، ومنتجاتنا كانت تفْسُدُ بسرعة، وصورة المكان كانت تنفّر الزبائن”.
وتابع “اليوم، أصبح لكل واحد منا مكانه، الماء والكهرباء متوفران، والسلامة مضمونة بفضل كاميرات المراقبة. إنه تغيير جذري”.
وبالنسبة لباعة آخرين، لم يساهم هذا التجديد فقط في تأمين نشاطهم التجاري، بل ساعدهم أيضا على استعادة كرامتهم المهنية. وأفاد أحدهم في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء بأن “العمل في فضاء نظيف ومنظم يغيّر كل شيء. حتى نفسيا، نشعر بالاحترام والتقدير. وهذا ينعكس كذلك على الزبائن، الذين يعودون بكل سرور”.
وبالفعل، لا يخفي الزبائن سعاتهم بالصورة التي أضحى عليها هذا الفضاء. تقول فاطمة، زبونة وفية لسوق الإمام علي، متذكرة الأيام الماضية “في السابق، كان الأمر مُحْبطا. المكان كان متسخا وغير منظم، وكنا نشعر بعدم الارتياح. واليوم، السوق صارت أجمل، ويمكن أن نأتي مع العائلة، نأخذ وقتنا، نتحدث… لقد أصبحت فضاء نابضا بالحياة”.
بعيدا عن تحسين تجربة التسوق، أصبحت سوق القرب الإمام علي اليوم تضطلع بدور محوري في تحفيز الاقتصاد المحلي. فهي تدمج العديد من الباعة الصغار ضمن الاقتصاد الرسمي، وتشجع استهلاك المنتجات المحلية والموسمية، وتعزز سلاسل التوزيع القصيرة، ما ينعكس إيجابا على دخل الأسر وقدرتها على الصمود الاقتصادي.
كما أن توفير فضاء ملائم للتفاعل والتبادل والتضامن، ساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي وإحياء الشعور بالانتماء للمجتمع.
وقد أضحت السوق نقطة التقاء تتقاطع فيها الأجيال والخلفيات الاجتماعية وثقافات الحي، في روح من التعاون والألفة.
ويجسد نجاح سوق الإمام علي بشكل كامل الأهداف التي تسعى إليها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: وضع الإنسان في صلب عملية التنمية، وتحسين ظروف عيش المواطنين بشكل ملموس، وإنشاء بنية تحتية مستدامة، مفيدة وشاملة.
في فاس، تبرهن هذه السوق النموذجية أن الرؤية العمومية، حينما تتقوى بتدبير محكم وتعبئة محلية، فإن التغيير لا يكون فقط ممكنا، بل دائما ويحمل في طياته الأمل.