مع سقوط الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد وهروبه إلى روسيا، ونجاح فصائل المعارضة في السيطرة على معظم المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام السابق، زادت التهديدات والمواجهات بين تركيا والفصائل المسلحة المرتبطة بها (الجيش الوطني) في شمال سوريا، وبين التنظيمات الكردية التي تتزعمها “قسد” أو ما يُعرف بـ”قوات سوريا الديمقراطية”. لا تزال الفصائل الكردية المسلحة تسيطر على حوالي ثلث مساحة سوريا بدعم أمريكي منذ سنوات، وتتهمها أنقرة بالتخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية ضدها انطلاقاً من هذه المناطق.
Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!ما هو مستقبل الجماعات الكردية في شمال سوريا بعد انهيار نظام الأسد؟
خلال معركة “ردع العدوان” التي قادتها “إدارة العمليات العسكرية” تحت إشراف “هيئة تحرير الشام”، زادت تركيا من حدة تصريحاتها تجاه الوحدات الكردية في شمال سوريا. حيث أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده “ستقضي على المنظمات الإرهابية في أقرب وقت”. كما شدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مقابلة تلفزيونية على أن “الهدف الاستراتيجي لتركيا هو إنهاء وجود وحدات حماية الشعب الكردية”، مشيراً إلى أن أمامها خيارين: “إما أن تحل نفسها أو تواجه القضاء عليها بالقوة”.
في نفس الفترة، دفعت فصائل “الجيش الوطني” السورية المدعومة من تركيا بأرتالها نحو مدينة “منبج” في 7 دجنبر 2024، وبدأت في اليوم التالي هجوماً أطلقت عليه اسم “فجر الحرية”، بهدف السيطرة على المدينة بعد نجاحها في السيطرة على مدينة “تل رفعت” التي كانت تحت سيطرة قوات “قسد”.
يبدو أن هذا التصعيد دفع قوات “قسد” مؤخراً إلى التراجع تدريجياً عن مركز مدينة منبج، تنفيذاً لاتفاق تم بوساطة أمريكية تركية. حيث أعلنت الولايات المتحدة في 18 دجنبر 2024 عن تمديد هدنة بين تركيا وفصائل محسوبة عليها، وبين قوات (قسد) المدعومة من واشنطن حول مدينة منبج، حيث قال مستشار اتصالات الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي إن “واشنطن تتفهم المخاوف الأمنية لتركيا”.
فيما أكد قائد “قسد” مظلوم عبدي التزام قواته بتحقيق وقف شامل لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا. وأضاف في تغريدة على حسابه الرسمي على شبكة إكس أن “قوات سوريا الديمقراطية تعلن استعدادها لتقديم مقترح لإنشاء منطقة منزوعة السلاح في مدينة عين العرب (كوباني)، مع إعادة توزيع القوات الأمنية تحت إشراف ووجود أمريكي”. ولم تعقب تركيا على هذه التصريحات.
كما تعهدت عشائر عربية في محافظة الرقة شمالي سوريا بتحرير واستعادة أراضيها المحتلة من قبل تنظيم “واي بي جي/ بي كي كي”، في 18 دجنبر 2024، وذلك في ختام اجتماع لممثلي العشائر العربية من الرقة في منطقة تل أبيض المحررة من التنظيم.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” قد نقلت في 17 دجنبر 2024 عن مسؤولين أمريكيين وأتراك أن تركيا وحلفاءها يحشدون قوات على طول الحدود لتنفيذ عملية عسكرية “وشيكة” في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية شمال شرق سوريا. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الخطوة تثير مخاوف من هجوم كبير على الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد، وأن العملية العسكرية التركية عبر الحدود قد تكون وشيكة، حيث أكد المسؤولون أن الحشد التركي يشبه تحركات أنقرة قبل عمليتها العسكرية في شمال شرقي سوريا عام 2019، وأفادوا بأن الإدارة الأميركية “تضغط من أجل ضبط النفس”.
من جانبه، قال القائد العسكري لـ”هيئة تحرير الشام” مرهف أبو قصرة إن “مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي البلاد ستُضم إلى الإدارة الجديدة”، مؤكداً رفض وجود أي فيدرالية في سوريا. وأشار أبو قصرة إلى أن “الشعب الكردي هو جزء من مكونات سوريا، والإشكالية تكمن في قيادة قوات سوريا الديمقراطية.. نحن نقول باختصار إن سوريا لن تتجزأ ولن تكون فيها فيدراليات”.
الأكراد في سوريا هم مجموعة عرقية كبيرة تعيش في مناطق تمتد عبر تركيا والعراق وإيران وسوريا، حيث يشكلون حوالي 7-10% من سكان البلاد، ويقدر عددهم بحوالي 2.5 مليون شخص، معظمهم من المسلمين السنة، بالإضافة إلى بعض اليزيديين وعدد قليل من المسيحيين والعلويين.
على مدى عقود، تعرض الأكراد في سوريا لسياسات تهميشية من قبل نظام الأسد الأب والابن، مما أدى إلى فقدان الهوية القومية والحقوق السياسية.
يتركز الأكراد في الشمال الشرقي من سوريا، حيث يعيشون في ثلاث مناطق رئيسية على طول الحدود التركية، وهي شمال محافظة الحسكة، وشمال شرق محافظة حلب (منطقة عين العرب)، وشمال غربها (منطقة عفرين).
مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، أتيحت الفرصة للأكراد لتأسيس كيان يعبر عن طموحاتهم السياسية، مما أدى إلى تشكيل تنظيمات مسلحة في عدة مناطق بشمال وشرق سوريا، مثل الحسكة والرقة ودير الزور وريف إدلب وحلب وحمص.
في السنوات التالية، ظهرت العديد من التنظيمات الكردية المسلحة التي لعبت أدواراً عسكرية وسياسية مهمة في هذه المنطقة الاستراتيجية، بعد أن حصلت على دعم غربي وأمريكي.
تقاتل في شمال سوريا مجموعة تُعرف باسم “قسد” أو “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تشكلت في عام 2015 في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة، وتعتبر مظلة لعدد من المجموعات المسلحة الكردية والعربية. وقد أسست “قسد” منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا تُعرف باسم “روج آفا” بعد طرد تنظيم “داعش” بدعم أمريكي في عام 2015.
تُعرف “روج آفا” بأنها “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، وهي منطقة تمتد في شمال وشرق البلاد تحت حكم ذاتي كردي بحكم الأمر الواقع، وتسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”. تشمل هذه الإدارة أجزاء من محافظات الحسكة والرقة وحلب ودير الزور، وتعتبر منطقة متعددة الأعراق تضم أعداداً كبيرة من العرب والكرد والسريان والآشوريين.
تتكون “قسد” من عدة مجموعات رئيسية، ويُقدّر عدد مقاتليها بحوالي 40 ألف مقاتل وفقاً لبعض الإحصاءات الغربية. حتى مطلع دجنلر 2024، كانت “قوات سوريا الديمقراطية” تسيطر على نحو ثلث المساحة الكلية لسوريا بدعم أمريكي.
تعتبر تركيا أن وجود التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا يشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وقد شنت أنقرة عدة عمليات عسكرية في السنوات الأخيرة مثل “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام” لطرد هذه التنظيمات من المناطق الحدودية.
ما هي التنظيمات الكردية المسلحة النشطة في سوريا؟
1. وحدات حماية الشعب (YPG)**
تعتبر وحدات حماية الشعب الأساس لقوات سوريا الديمقراطية (SDF)، وقد تأسست في عام 2011 كجناح عسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي يُعتبر امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف كمنظمة إرهابية من قبل تركيا وعدد من الدول الغربية. تم إنشاء هذه الوحدات للدفاع عن المناطق الكردية ضد الجماعات المسلحة الأخرى وضمان الحكم الذاتي لكردستان سوريا. تتكون هذه القوات من عناصر مدربة من قبل الولايات المتحدة وتعمل بشكل رئيسي في مناطق الحسكة والرقة ودير الزور. وقد تمكنت من إقامة إدارة ذاتية ديمقراطية تعتمد على فلسفة “الكونفدرالية الديمقراطية” المستوحاة من أفكار عبد الله أوجلان، قائد حزب العمال الكردستاني، الذي تحتجزه تركيا منذ عام 1999.
2. قوات سوريا الديمقراطية (SDF)
تأسست في عام 2015 كمظلة تضم مختلف الفصائل المسلحة، وأبرزها وحدات حماية الشعب. تشمل أيضًا فصائل عربية وسريانية وآشورية. أكدت الولايات المتحدة أن “قوات سوريا الديمقراطية” أنشئت بهدف القضاء على تنظيم “داعش” وضمان الاستقرار والأمن في المناطق المحررة، مع دعم مشروع “الإدارة الذاتية” الذي يديره الأكراد في شمال شرق سوريا. كانت “قوات سوريا الديمقراطية” شريكًا رئيسيًا للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في طرد تنظيم “داعش” من الرقة ودير الزور وكوباني والباغوز وغيرها من المناطق. ومع ذلك، تصنف تركيا التنظيم كجماعة إرهابية وترفض الدعم الأمريكي له.
3. وحدات حماية المرأة (YPJ)
تأسست وحدات حماية المرأة في عام 2013 كجناح نسائي لوحدات حماية الشعب، بهدف تمكين المرأة الكردية من الدفاع عن مناطقها والمساهمة في كسر القيود الاجتماعية التقليدية. يُصنف هذا التنظيم أيضًا كجماعة إرهابية في تركيا. شاركت “وحدات حماية المرأة” في معارك كبرى مثل تحرير كوباني، واكتسبت شهرة دولية بفضل التغطية الإعلامية الغربية لدورها في مواجهة “داعش”.
4. حزب العمال الكردستاني (PKK)
على الرغم من أن PKK هو تنظيم يساري مسلح نشأ في تركيا، إلا أن تأثيره يمتد إلى شمال شرق سوريا من خلال قيادته الأيديولوجية والتنظيمية لوحدات حماية الشعب، خاصة بعد عام 2011. تعتمد PYD وأذرعها العسكرية على نهج الحزب وأفكاره. يثير وجود PKK في سوريا توترات كبيرة مع تركيا، التي شنت عدة عمليات عسكرية عبر الحدود لاستهداف مقاتلي الحزب و”وحدات حماية الشعب”. يُصنف “حزب العمال الكردستاني” كتنظيم إرهابي في تركيا والولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية وأستراليا وكندا منذ عام 2004، وتتهمه أنقرة بشن مئات الهجمات الإرهابية التي أودت بحياة آلاف المواطنين منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي.