في وسط مدينة فجيج، تبرز الصومعة الحجرية بارتفاعها وهندستها الفريدة، مما يعكس عبقرية المهندسين القدماء، في تجسيد حي للهوية الثقافية والتراث الغني الذي تتميز به المنطقة. تُعتبر هذه الصومعة، التي شُيدت في قصر الوداغير باستخدام الحجر المحلي، رمزًا للهوية الثقافية والتراث المعماري في الإقليم، وتُعد تحفة فنية تُظهر قدرة الإنسان على التكيف والإبداع في بيئته.
Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!تتكون هذه المعلمة الأثرية، التي يصل ارتفاعها إلى حوالي 19 مترا، من قاعدة مربعة متينة تتحول تدريجياً إلى شكل ثماني عند الارتفاع، مما يشكل برجًا شامخًا يلفت الأنظار من مسافات بعيدة، في تصميم هندسي فريد يُبرز جمال المعمار الإسلامي.
تتزين جوانب الصومعة، التي بُنيت في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، بنقوش وزخارف هندسية بسيطة تتناغم مع الطابع العمراني المحلي، بينما تظهر فتحاتها الصغيرة توزيعًا متناسقًا للضوء والهواء، مما يمنح الداخل إحساسًا بالهدوء والسكينة، ويضفي عليها طابعًا عمليًا ومعماريًا مميزًا.
تحظى الصومعة برمزية دينية وروحية عميقة لدى سكان المنطقة، حيث ارتبطت بحياتهم اليومية، وكانت منارة للذكر ومكانًا للصلاة والاحتفال بالمناسبات الدينية، ولعبت دورًا بارزًا في الحفاظ على التعاليم الإسلامية، مما يجعلها جزءًا أساسيًا من الذاكرة الجماعية لسكان فجيج الذين يقدرون قيمتها الحضارية والدينية.
تعود أهميتها أيضًا إلى استخدامها كبرج مراقبة لحماية المدينة من الغزاة، مما يجعلها شاهدًا حيًا على التاريخ العريق للمنطقة، ومعلماً يجسد روح الحضارة الإسلامية وتطورها.
وقد أشار الطيب الجابري، عضو جمعية فجيج للتراث وثقافة الواحات، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إلى أن الصومعة الحجرية تُعتبر من أقدم المعالم التاريخية في منطقة فجيج، مؤكدًا أن تاريخ تأسيسها يعود إلى سنة 542 هجرية.
وأوضح أن بناء الصومعة تم على مرحلتين، الأولى تمتد إلى سنة 613 هجرية، حيث بُنيت على شكل مربع بارتفاع 5 أمتار، والثانية بعد مرور 70 سنة حيث أمر شرفاء الوداغير بإتمامها لتأخذ شكلًا شبه دائري بارتفاع 19 مترا، مشيرًا إلى أن هذه الصومعة تختلف عن باقي الصوامع في المملكة، إذ شُيدت بالكامل من الحجارة والطين والجير.
كما أشار الطيب الجابري إلى أن فجيج تتميز بتنوع العمارات، حيث تضم عمارة المساجد والزوايا والأضرحة والحمامات الباطنية، بالإضافة إلى العمارة العسكرية التي تظهر في الأبراج والأسوار لحماية قصور المنطقة. وأضاف أن معظم البنيات في منطقة فجيج تم إنشاؤها باستخدام طين فريد يميز المنطقة، بالإضافة إلى استخدام الحجارة والجير، كما تم الاستعانة بأغصان شجرة الدفلى وخشب أشجار النخيل في بناء الأسقف والنوافذ.