بدأ “المؤثرون” من “أثرياء وسائل التواصل الاجتماعي” يراقبون حساباتهم البنكية، حيث من المتوقع أن يخضع صناع المحتوى الرقمي لضريبة جديدة عند بدء تطبيق النظام الضريبي الجديد اعتباراً من فاتح يناير 2025. وقد تضمن مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، الذي وافق عليه مجلس النواب بالأغلبية يوم الجمعة 06 دجنبر 2024، تدابير ضريبية تستهدف فرض ضرائب على الأرباح والعائدات الناتجة عن صناعة المحتوى الجذاب على الإنترنت. وقد شهدت السنوات الأخيرة نمواً ملحوظاً في نشاط صُنّاع المحتوى ومحترفي “التأثير” على منصات التواصل الاجتماعي، مع زيادة في قيمة مداخيلهم من الإعلانات المدفوعة وعقود الإشهار والتعاون الموقعة مع شركات ومتاجر ومطاعم.
Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!ضريبة على دخول المحتويات الرقمية
أرجأ المغرب لفترة طويلة إدخال تعديلات على قوانين الضرائب لتواكب التطورات في المهن والمداخيل المالية التي تتولد بشكل كبير من الأنشطة الرقمية أو عبر الإنترنت.
يقول الباحث في السياسات الضريبية، مهدي إدريسي، إن “المادة 70 مكررة في مشروع قانون المالية لعام 2025 تحت عنوان الدخول والمكاسب الأخرى، تنص في فقرتها الثالثة على مداخيل تخضع للضريبة على الدخل، والتي لا تندرج ضمن التصنيفات المحددة في المادة 22 من الوثيقة نفسها، وتشمل الدخول والمكاسب الناتجة عن عمليات تهدف إلى تحقيق الربح، والتي لا ترتبط بفئة أخرى من الدخول”.
وأوضح إدريسي، أن “جميع الأنشطة التي تدر الربح، وكل المداخيل الناتجة عن مزاولة أنشطة مدرة للدخل أصبحت ضمن نطاق الضريبة؛ بما في ذلك دخول وأرباح صناع المحتوى، أو ما يُعرف بالمؤثرين على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وممارسي التجارة الإلكترونية”.
لذا، يضيف الباحث في السياسات الضريبية: “يمكن القول إن الأساس القانوني أصبح أكثر وضوحاً اليوم لإخضاع هؤلاء العاملين في المجال الرقمي، على الرغم من أنه كان بإمكان إدارة الضرائب إخضاعهم للضريبة سابقاً، بالاستناد إلى تفسير مواد متفرقة مثل المادة 22 الخاصة بأصناف الدخول، أو المادة 30 في فقرتها الثانية (الدخول التي تكتسب طابع التكرار)”.
قبل دخول القانون الجديد حيز التنفيذ، بدأت المصالح المالية المختصة بإجراء دراسات داخلية لمتابعة “المؤثرين” وصناع المحتوى، بالإضافة إلى تحليل الثغرات التي يستغلونها للتهرب الضريبي، وكذلك التهرب من المساءلة حول مصادر الأموال التي يتعقبها القانون المغربي. في هذا الإطار، قام مكتب الصرف، التابع لوزارة المالية، بتعزيز وحداته لمراقبة التحركات والأرباح التي يحققها صناع المحتوى عبر منصات التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل عام.
وأكد مصدر من المكتب، فضل عدم الكشف عن هويته، أن “مكتب الصرف يحتوي على قاعات مخصصة لوحدات تتبع المعاملات الرقمية، حيث تتمثل مهمة الفرق في مراقبة جميع المعاملات الرقمية من خلال متابعة العمليات المالية، خاصة أن المكتب يمتلك قاعدة بيانات شاملة لجميع المعاملات المالية بين المغرب والخارج”.
وكشف المصدر نفسه في تصريح لـ”عربي بوست” أن “التحويلات المالية الناتجة عن التعاملات الرقمية بلغت 3 مليارات درهم بين 2018 و2022، حققها أفراد يعملون عبر الإنترنت”. ومع ذلك، أضاف المتحدث: “الرقم الفعلي لهذه المعاملات يتجاوز ما ذُكر، نظراً لوجود عدد من المخالفين لقانون الصرف، مما يعني بشكل مباشر مخالفة القانون الضريبي في المغرب”.
وأشار المصدر إلى أن “مكتب الصرف قام بإجراء عدة دورات تكوينية لموظفيه في مجالات التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية، مما ساعد الوحدات المعنية على مواكبة التطورات السريعة في المجال الرقمي، وبالتالي تحسين وسائل المراقبة والتتبع”.
ثروات خارج إطار القانون
يبدو أن تتبع هؤلاء “المؤثرين” و”صُنّاع المحتوى” أمر سهل، خاصة أن بعضهم، الذين يثيرون عادةً جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، تمكنوا من جمع ثروات مالية كبيرة في فترة زمنية قصيرة.
يفضل هؤلاء العمل على مواقع التواصل الاجتماعي بعيداً عن الأنظمة المنظمة أو المهيكلة بقوانين ضريبية، وذلك ضمن ما يُعرف بنظام المقاول الذاتي أو نظام الشركات، بهدف التهرب من دفع ضريبة الدخل.
تُفرض هذه الضريبة على دخول وأرباح الأفراد والشركات الذين لم يختاروا الخضوع للضريبة على الشركات. ويحدد القانون الضريبي الحالي عدة فئات من الدخول والأرباح المعنية، بما في ذلك الدخول المهنية والأرباح المعتبرة في حكمها، بالإضافة إلى الأرباح الناتجة عن رؤوس الأموال المنقولة.
“صُنّاع المحتوى” سبقوا فرض القوانين
هذا الأمر انطبق على بعض صُنّاع المحتوى، خاصة الذين يعملون بشكل منظم، سواء من خلال نظام المقاول الذاتي أو نظام المساهمة المهنية الموحدة أو حتى في بعض الأحيان نظام المحاسبة، كما يوضح الباحث في السياسات الجبائية، مهدي إدريسي.
وقال إدريسي: “هؤلاء يصرحون بأرقام أعمالهم وأرباحهم، وبالتالي هم في وضعية قانونية سليمة تجاه إدارة الضرائب، على عكس الكثيرين الذين يعملون في الخفاء ويحققون مداخيل وأرباحاً كبيرة دون أن تستفيد خزينة الدولة منهم”.
بناءً على ذلك، ومن أجل “مبدأ المساواة أمام الضريبة، وتوسيع الوعاء الضريبي، مع تكثيف جهود محاربة الغش والتهرب الضريبي، جاءت التدابير الجديدة المقترحة في مشروع قانون المالية 2025، تنفيذاً لتوصيات المناظرة الوطنية للجبايات عام 2019، وتفعيلًا للقانون الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي 2021″، يضيف المتحدث.