بين مشروعين متعارضين يتواجهان في عمق المنطقة؛ أحدهما يسعى للهيمنة على القضية الفلسطينية، والآخر يسعى لمقاومتها من خلال بنية عقائدية واستراتيجية، تتضح تداعيات الحرب بين إيران وإسرائيل ليس فقط في ساحات القتال، بل أيضًا في التحالفات الإقليمية، وأهمها ملف التطبيع العربي مع الاحتلال، الذي يواجه اليوم تحديات متزايدة نتيجة الفجوة المتسعة بين الشعوب والحكومات.
Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!في تحليل للوضع، أشار الكاتب والمحلل الأكاديمي العراقي، محمود الهاشمي، مدير مركز الاتحاد للدراسات الاستراتيجية في بغداد، في تصريح خاص لـ”قدس برس” إلى أن “ما يحدث هو صدام مباشر بين مشروعين متناقضين: الأول تقوده إسرائيل بدعم من الهيمنة الأمريكية، ويهدف إلى دمجها كوكيل رئيسي للغرب في المنطقة، عبر تكوين معادلة تجمع القوة العسكرية الصهيونية بالقدرات الاقتصادية العربية، مما يؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية وطرد ما تبقى من الفلسطينيين من أرضهم”.
وأكد الهاشمي أنه في المقابل “تبنّت إيران مشروعًا ثوريًا مقاومًا منذ انتصار ثورتها عام 1979، ونجحت في توسيع مفهوم المقاومة الفلسطينية ليشمل بعدًا سياسيًا واجتماعيًا متجذرًا في عدة دول، مما صعّب على إسرائيل وحلفائها محاصرة هذا الامتداد أو احتوائه”.
ولفت إلى أن “الحرب الأخيرة كشفت عن تآكل المشروع الغربي وارتباك الاحتلال، خاصة بفشله في حسم معركة “طوفان الأقصى”، واستمرار المقاومة في فرض معادلتها”.
واعتبر أن الأحداث تعيد تشكيل الإقليم ضمن توازنات جديدة تقودها قوى ناشئة مثل الصين وروسيا وإيران.
فيما يخص التطبيع، أشار الهاشمي إلى أن “التطبيع العربي لم يكن خيارًا استراتيجيًا، بل نتيجة للهزائم المتكررة منذ نكبة 1948 وحتى نكسة 1967، وصولًا إلى فقدان التوازن الدولي وتفرد واشنطن”.
وأضاف أن “اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وأبراهام لم تحظَ بمؤيدين بين الشعوب وصارت عبئًا على الأنظمة بعد تصاعد الوعي الجماهيري، خصوصًا بعد “طوفان الأقصى”.
وحذر من أن “الأنظمة التي راهنت على “السلام الاقتصادي” مع الاحتلال تجد نفسها اليوم في مأزق، مع تراجع صورة إسرائيل عالميًا وتحولها إلى كيان متهم بالجرائم ضد الإنسانية”.
كما أفاد عن “محاولات أمريكية–إسرائيلية لاستبعاد مصر والأردن من أي دور مستقبلي في المعادلة الإقليمية، مما دفع مصر للبحث عن تحالفات بديلة مع روسيا والصين وحتى إيران، بينما ظل الأردن في حالة ركود وسط غضب شعبي متزايد”.
وفي سياق مشابه، اعتبر أمين عرار، نائب رئيس اللجنة التنفيذية العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع في الأردن، أن “الأنظمة العربية التي وقعت اتفاقيات تطبيع لا تملك قرارًا سياديًا لإعادة النظر فيها، رغم الانتهاكات الإسرائيلية”.
وأوضح أن “عملية “طوفان الأقصى” أحدثت تحولًا كبيرًا، مما دفع بعض الأنظمة إلى التراجع عن إعلان التطبيع العلني تخوفًا من انفجار شعبي داخلي”.
وأشار عرار إلى “فشل المحاولات الشعبية للتطبيع منذ “كامب ديفيد” حتى اتفاقيات “الإبراهيمية”، حيث لا يزال أكثر من 90% من مواطني الدول المطبعة يعتبرون الاحتلال عدوًا”.
وأكد عرار أن “علاقة الأنظمة بشعوبها تتدهور مع تزايد الشرخ السياسي والاجتماعي، وأن محاولات موازنة العلاقات بين طهران وتل أبيب “تفتقر للمنطق”.
بدوره، قدم الباحث المصري علي فوزي قراءة أكثر تحفظًا، مؤكدًا أن “الدول التي اختارت التطبيع فعلت ذلك لحماية مصالحها، ولكن التصعيد الإقليمي قد يدفعها لت reevaluate، أو على الأقل لضبط علاقاتها بما يتماشى مع التوازن الإقليمي”.
ورأى فوزي أن “الاستقرار في المنطقة يحتاج إلى حل عادل للقضية الفلسطينية”.
وأشار إلى أن “السعودية تتعامل مع ملف التطبيع بحذر، بينما تراقب الإمارات الأحداث لتقييم تعاونها مع الاحتلال باستمرار”.
وبينما تتضح ملامح الحرب الحالية، يبدو أن مشروع التطبيع في أضعف مراحله، ومع بروز قوى مقاومة تعيد رسم معالم المنطقة، تتصاعد الأسئلة حول مصير “اتفاقيات السلام” في ظل نظام دولي متغير، ومقاومة عربية قادرة على تغيير المعادلات.
منذ 13 يونيو/ حزيران، بدأت إسرائيل بدعم أمريكي عدوانًا على إيران، مستهدفة منشآت نووية وقواعد صاروخية وقادة عسكريين، حيث ردت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة نحو العمق الإسرائيلي، في مواجهة مباشرة بين الطرفين.
ووفق آخر حصيلة رسمية من وزارة الصحة الإيرانية، أسفرت الضربات الإسرائيلية عن استشهاد 430 شخصًا وإصابة أكثر من 3500 آخرين، بينما تشير تقديرات إسرائيلية إلى مقتل 26 شخصًا وإصابة 2517 إسرائيليًا.