سلط المشاركون في ندوة علمية، أقيمت يوم الأربعاء الماضي بمدينة جرادة، الضوء على التحديات والرهانات المرتبطة بتطبيق القانون 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، الذي من المتوقع أن يدخل حيز التنفيذ في شهر غشت القادم. وأكد المتحدثون خلال هذا اللقاء الذي نظمته المحكمة الابتدائية بجرادة بالتعاون مع ودادية موظفي قطاع العدل، على أن نجاح هذا المشروع التشريعي يتطلب تكاتف الجهود وتنسيقاً مؤسساتياً لضمان انتقال سلس نحو عدالة أكثر إنصافاً وفعالية.
Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!وأشاروا إلى أن اعتماد العقوبات البديلة يمثل تحولاً أساسياً في السياسة الجنائية الوطنية، حيث يلبي احتياجات التطوير القضائي بالمغرب. كما أوضحوا أن القانون يعكس توازناً بين الردع وإعادة الإدماج من خلال مراجعة العقوبات السالبة للحرية واستبدالها بأخرى بديلة أكثر فعالية وإنسانية، مثل العمل من أجل المنفعة العامة، المراقبة الإلكترونية، تقييد بعض الحقوق، والغرامة اليومية، مما يعكس فلسفة إصلاحية جديدة تهدف لإعادة إدماج الجانحين في المجتمع دون الإضرار بملاءتهم الأسرية والاجتماعية.
وفي سياق الحديث عن موضوع الندوة “العقوبات البديلة في ضوء القانون رقم 43.22.. الرهانات والتحديات”، دعا المتحدثون إلى انخراط جاد من مكونات العدالة الجنائية في هذا المشروع، عبر تأهيل البنيات التحتية، وتوفير الموارد البشرية، وتعزيز التنسيق مع السلطات المحلية والقطاعات الحكومية، وذلك وفق مقاربة تشاركية تضمن التطبيق الفعال والسلس لهذه العقوبات.
وخلال كلمته، أكد عمرو قريوح، رئيس المحكمة الابتدائية بجرادة، أن العالم يشهد اليوم توجهًا نحو اعتماد بدائل للعقوبات السجنية قصيرة المدة، بسبب الآثار السلبية للتوقيف على الأفراد والمجتمعات. وذكر أن التجارب السابقة أثبتت محدودية الاعتماد على الاعتقال لتحقيق الردع والإصلاح، في ظل التكلفة العالية للسجون ومشاكل الاكتظاظ وارتفاع معدلات العودة للجريمة.
ولفت قريوح إلى أن هذا القانون الجديد يمثل نقطة تحوّل حاسمة في تاريخ النظام العقابي بالمغرب، حيث يسعى لتحقيق عدالة إنسانية توازن بين الردع والإدماج. كما أبرز التحديات العملية والمجتمعية التي تتطلب إعداداً مؤسساتياً جيداً وتنسيقاً محكماً بين جميع الفاعلين لتوفير ظروف النجاح وتحقيق الأهداف المرجوة.
وأشارت كريمة إدريسي، وكيلة الملك لدى المحكمة الابتدائية بجرادة، إلى أن هذه الندوة تأتي في إطار الدينامية الإصلاحية التي تشهدها المملكة، وتتوافق مع التوجيهات الملكية السامية، خصوصاً خطاب 20 غشت 2009 الذي دعا إلى تطوير آليات العدالة البديلة مثل الوساطة والتحكيم والصلح.
وأضافت أن اللقاء يهدف إلى تعزيز الجاهزية المؤسساتية لتطبيق القانون الجديد وضمان فعالية تنزيله، مشددة على أهمية تكثيف التفاعل والتنسيق بين مختلف المعنيين لتحقيق توازن بين الردع والإدماج واحترام الحريات. وأبرزت إدريسي أن القانون 43.22 يجسد تحولاً عميقاً في الفلسفة العقابية بالمغرب، ويُظهر تطور الفهم للعقوبة كوسيلة للإصلاح من خلال تعزيز فعالية العقوبات البديلة ذات الطبيعة الاجتماعية أو الإصلاحية.
من جهة أخرى، أكد عبد الوهاب التجمعتي، ممثل ودادية موظفي قطاع العدل، أن هذه الندوة تتماشى مع جهود الودادية لدعم المبادرات التي تسعى لمواكبة الإصلاحات الكبرى في منظومة العدالة المغربية، مبرزاً أن القانون الجديد يشكل ركيزة أساسية لتعزيز النجاعة القضائية وتقليل العبء على المؤسسات السجنية.
وأشار إلى أن هذا اللقاء يمثل فرصة لتبادل الأفكار حول سبل تفعيل القانون الجديد بشكل أمثل، عبر مقاربة شمولية تأخذ في الاعتبار الخصوصيات المؤسساتية والواقعية، داعياً لتعميق النقاش حول آليات التنفيذ ودعم التنسيق بين جميع المعنيين لضمان فعالية تطبيق العقوبات البديلة على الأرض والتغلب على التحديات المحتملة.