طالب “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” المجتمع الدولي بضرورة محاكمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإيقاف نشاط “مؤسسة غزة الإنسانية” على الفور، نظرًا لتورطها في مجازر ممنهجة ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، مؤكدًا أن هذه الجرائم تُعتبر ضمن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب.
وفي بيان صحفي أصدره يوم السبت، ألقى المرصد اللوم على المجتمع الدولي والحكومات المتواطئة في استمرار الجرائم الفظيعة التي تُرتكب أمام نقاط توزيع المساعدات في وسط وجنوب غزة، والتي تُديرها “مؤسسة غزة الإنسانية” الإسرائيلية-الأمريكية، داعيًا إلى فتح تحقيق دولي مستقل لحساب المسؤولين عن هذه الجرائم أمام المحاكم الدولية والوطنية.
وأشار المرصد إلى وقوع مجزرة مروعة صباح السبت 12 يوليو 2025 قرب نقطة توزيع في منطقة “الشاكوش” شمال رفح، والتي أسفرت عن استشهاد 30 مدنيًا وإصابة أكثر من 180 آخرين، بعد إغلاق ثلاث نقاط توزيع مركزية، مما أدى لتكدس عشرات الآلاف من المدنيين الجائعين في نقطة واحدة بحثًا عن الطعام.
وحسب شهادات ميدانية وثقها المرصد، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي وعناصر أمنية أمريكية خاصة، تعمل لصالح “مؤسسة غزة الإنسانية”، النار وقنابل الغاز بشكل مباشر على المدنيين، مما يُعتبر مشاركة فعلية في جريمة الإبادة الجماعية.
كما عرض المرصد مقاطع مصورة تُظهر عناصر من “مؤسسة غزة الإنسانية” وهم يُلقون قنابل على المدنيين المتجمّعين، مما ينفي ادعاءات المؤسسة بأنها جهة إنسانية ويثبت تورطها المباشر في أعمال عنف منهجية.
نقل المرصد شهادة لأحد الناجين من مجزرة “الشاكوش”، حيث قال إن القوات الإسرائيلية نصبت كمينًا باستخدام دبابات وقناصة ومشاة، وأطلقت النار على المدنيين أثناء خروجهم من مكان اختبائهم قرب نقطة المساعدات. وأوضح الشاهد أن إطلاق النار استهدف كل من حاول الهرب، وسقط عدد كبير من الضحايا في لحظات قليلة.
وكشف المرصد أن قوات الاحتلال والعناصر الأمنية المتورطة قتلت ما لا يقل عن 829 فلسطينيًا وأصابت نحو 5500 آخرين خلال أقل من شهرين، قرب مواقع توزيع المساعدات التي تحولت إلى أدوات للقتل الجماعي وهندسة التجويع، بدلًا من كونها ملاذًا للإنقاذ.
وأكد المرصد أن “مؤسسة غزة الإنسانية” تعمل كغطاء لسياسات الحصار والقتل، وتدير نقاط التوزيع بطريقة تخدم مخططات تجويع السكان الفلسطينيين وإذلالهم، موضحًا أن واشنطن، عبر هذه المؤسسة وغيرها، توفر الغطاء السياسي والمالي والعسكري الكامل لارتكاب هذه الجرائم، مما يجعل المسؤولين الأمريكيين، وخاصة ترامب، خاضعين للمساءلة الجنائية الدولية.
أوضح البيان أن استخدام القوة المميتة ضد المدنيين العزل يعد خرقًا فاضحًا للقانون الدولي الإنساني، الذي يُلزم القوات الأمنية بالتدرج في استخدام القوة، ولا يجيز إطلاق النار إلا في حالات التهديد الوشيك للحياة، وهو ما لم يتحقق في الحالات الموثقة.
وأضاف أن سياسة التجويع واستهداف المدنيين أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء تُعتبر جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية وفقًا لنظام روما الأساسي، وتشمل القتل العمد، استخدام الجوع كسلاح، والاضطهاد، والقتل الجماعي المنهجي.
وأشار المرصد إلى أن هذه الأفعال تندرج ضمن جريمة الإبادة الجماعية وفقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة، حيث تنفذ إسرائيل سياسة متعمدة تهدف إلى تدمير السكان الفلسطينيين كليًا أو جزئيًا، من خلال القتل وفرض ظروف معيشية قاتلة.
ودعا المرصد إلى فتح تحقيقات دولية مستقلة في الدور الذي تؤديه “مؤسسة غزة الإنسانية”، بما يشمل المسؤولية الفردية لجميع العاملين والمديرين والمتعاقدين الأمنيين المتورطين، سواء من خلال التخطيط أو التنفيذ أو الامتناع المتعمد عن منع الجرائم.
وطالب المرصد الدول التي تملك اختصاصًا قضائيًا إقليميًا أو عالميًا بفتح تحقيقات جنائية عاجلة بحق جميع المتورطين، بما في ذلك أفراد الشركات الأمنية الأمريكية، ورفع دعاوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالضحايا وذويهم.
وحث المرصد على ممارسة ضغوط حقيقية لوقف عمل المؤسسة وإنهاء آلية توزيع المساعدات الإسرائيلية، واستعادة السيطرة الإنسانية للأمم المتحدة، وإنشاء ممرات إنسانية آمنة بإشراف أممي لضمان وصول المساعدات، بالتوازي مع رفع الحصار عن قطاع غزة بشكل فوري وكامل.
كما طالب المجتمع الدولي والدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية بتنفيذ أوامر القبض بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع السابق، وتسليمهم إلى العدالة، دون أي إخلال بمبدأ عدم الحصانة أمام الجرائم الدولية.
في ختام بيانه، دعا المرصد إلى فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية على “إسرائيل”، تشمل حظر تصدير الأسلحة والتقنيات الأمنية، وتجميد الأصول المالية للمسؤولين المتورطين، ووقف الامتيازات التجارية، وتعليق اتفاقيات التعاون السياسي والعسكري معها.
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن وقف الجرائم الممنهجة في غزة لن يتحقق إلا بوقف الإفلات من العقاب، ومحاسبة كل من خطط أو موّل أو نفّذ أو سكت عن هذه المجازر، مؤكدًا أن استخدام “العمل الإنساني” كغطاء للقتل لا يجب أن يمر دون عقاب.