يحتفل الشعب المغربي، في 20 غشت من كل عام، بذكرى ثورة الملك والشعب، وهي محطة تاريخية حاسمة في مسيرة الكفاح الوطني من أجل الاستقلال. هذه الذكرى ليست مجرد استحضار لأحداث الماضي، بل هي مناسبة لتأكيد قيم التضحية، والوحدة، والولاء المتبادل بين العرش العلوي و الشعب المغربي.
تعود جذور هذه الثورة إلى 20 غشت 1953، حينما قررت سلطات الحماية الفرنسية، في خطوة يائسة، نفي بطل التحرير، المغفور له الملك محمد الخامس، والأسرة الملكية الشريفة إلى جزيرة كورسيكا ثم إلى مدغشقر. كان هذا القرار يهدف إلى إضعاف المقاومة المغربية، وفك الارتباط الروحي والسياسي الذي يجمع بين الملك وشعبه، وإخضاع المغرب بشكل كامل للاستعمار.
لكن ما حدث كان عكس ما خططت له فرنسا. فقرار النفي أشعل شرارة الغضب في نفوس المغاربة، الذين اعتبروا هذا الفعل إهانة لكرامتهم الوطنية والدينية. تحوّل يوم 20 غشت إلى يوم حداد وطني، وبدأت شرارة المقاومة الشعبية في الانتشار، مؤكدة أن العرش والشعب كيان واحد لا يتجزأ.
انطلقت شرارة الثورة من مدن وقرى المغرب كافة، في هبّات شعبية عارمة تمثلت في مظاهرات واحتجاجات سلمية في البداية، سرعان ما تحولت إلى مقاومة مسلحة منظمة. تشكلت خلايا سرية للمقاومة، وانتشرت عمليات الفداء في كل مكان، استهدفت المصالح الفرنسية والعملاء الذين تواطؤوا مع سلطات الحماية. وكانت تلك العمليات، مثل محاولة اغتيال ابن عرفة (الذي نصبته فرنسا سلطانًا بديلًا)، رسالة واضحة بأن الشعب لن يرضى بأي بديل عن ملكه الشرعي.
كان التلاحم بين الملك والشعب هو سر قوة هذه الثورة. ففي المنفى، كان الملك محمد الخامس يتابع أخبار شعبه، ويشجع المقاومة، مما زاد من عزيمة المغاربة على مواصلة الكفاح. هذا الارتباط القوي بين القائد والشعب أربك حسابات المستعمر، وجعله يدرك أن المغرب لن يستقر إلا بعودة ملكه.
وأمام صلابة المقاومة المغربية، وتزايد الضغط الدولي، اضطرت فرنسا للرضوخ لمطالب الشعب المغربي. وفي 16 نونبر 1955، عاد الملك محمد الخامس إلى أرض الوطن، معلنًا انتهاء فترة النفي وبداية مرحلة جديدة من أجل استكمال الاستقلال.
تظل ثورة الملك والشعب رمزاً للوحدة الوطنية، ودرساً للأجيال في أن الدفاع عن الوطن والحرية يتطلب تضحيات جسامًا وتلاحمًا لا ينفصم. وهي مناسبة للتأكيد على أن المغرب قد بنى حاضره ومستقبله على أسس صلبة من التضحية والولاء المتبادل، مما يجعله قادراً على مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.