في تطور يعكس تحولاً ملحوظاً في المشهد السينمائي العالمي، يبدو أن إسرائيل تفقد تدريجياً نفوذها في مهرجانات السينما الدولية. شهد مهرجان فينيسيا السينمائي 2025، أحد أعرق المهرجانات في العالم، لحظة تاريخية مع عرض فيلم “صوت هند رجب” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، الذي حصد تصفيقاً واقفاً استمر أكثر من 22 دقيقة، مسجلاً رقماً قياسياً كأطول تصفيق في تاريخ المهرجانات السينمائية. هذا الإنجاز لم يكن مجرد احتفاء فني، بل رسالة سياسية قوية تبرز الدعم المتزايد للقضية الفلسطينية، وسط دعوات لمقاطعة الإنتاجات الإسرائيلية في ظل الصراع الدائر في غزة.
## قصة فيلم “صوت هند رجب”: توثيق مأساة فلسطينية تهز الضمائر
يُعد فيلم “صوت هند رجب” (The Voice of Hind Rajab) عملاً سينمائياً هجيناً بين الوثائقي والدرامي، يروي قصة الطفلة الفلسطينية هند رجب، البالغة من العمر 6 سنوات، التي قُتلت على يد قوات إسرائيلية في غزة عام 2024 مع ستة من أفراد عائلتها. يعتمد الفيلم على تسجيلات هاتفية حقيقية للطفلة أثناء استغاثتها بفريق الإنقاذ في الهلال الأحمر الفلسطيني، حيث كانت محاصرة في سيارة تعرضت للقصف. المخرجة كوثر بن هنية، المعروفة بأعمالها الجريئة مثل “الرجل الذي باع جلده” الذي رُشح
للأوسكار، تحول هذه المأساة إلى شهادة فنية تكشف عن وحشية الاحتلال ومعاناة الأطفال في النزاعات.
الفيلم مرشح لجائزة الأسد الذهبي، الجائزة الرئيسية في مهرجان فينيسيا، ويحظى بدعم من نجوم هوليوود كبار مثل براد بيت، خواكين فينيكس، روني مارا، ألفونسو كوارون، وجوناثان غلازر. هذا الدعم يعكس تغيراً في موقف النجوم العالميين، الذين أصبحوا أكثر جرأة في التعبير عن تضامنهم مع فلسطين، مما يساهم في تآكل النفوذ الإسرائيلي في صناعة السينما.
## التصفيق التاريخي: 23 دقيقة من الدموع وهتافات “فلسطين حرة”
خلال العرض الأول في 3 سبتمبر 2025، انفجر الجمهور في مهرجان فينيسيا بتصفيق حار استمر أكثر من 23 دقيقة، مصحوباً بدموع وهتافات “فلسطين حرة”. هذا التصفيق، الذي سجل رقماً قياسياً يفوق الرقم السابق في تاريخ المهرجان، لم يكن احتفاءً بالفيلم فحسب، بل احتجاجاً على الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني. حضر العرض شخصيات بارزة مثل خواكين فينيكس وروني مارا، الذين انضما إلى التصفيق الواقف.
في سياق أوسع، يأتي هذا النجاح وسط حملات مقاطعة للأفلام الإسرائيلية في مهرجانات دولية، بما في ذلك فينيسيا وكان وبرلين، بسبب الاتهامات بـ”غسل الجرائم” من خلال السينما. يرى مراقبون أن مثل هذه الأعمال تعزز من عزلة إسرائيل ثقافياً، حيث أصبحت القضية الفلسطينية محوراً للأفلام الناجحة، مما يقلل من فرص الإنتاجات الإسرائيلية في الحصول على جوائز أو دعم دولي.
تأثير الفيلم على المشهد السينمائي العالمي
يُتوقع أن يستمر فيلم “صوت هند رجب” في جولته العالمية، مع عروض في مهرجانات تورونتو، سان سيباستيان، وبوسان، ولندن. هذا النجاح ليس فردياً، بل جزء من موجة أفلام عربية وفلسطينية تكتسب شهرة، مثل أعمال مخرجين فلسطينيين آخرين في المهرجان نفسه. بالنسبة لإسرائيل، التي اعتمدت تاريخياً على السينما لتحسين صورتها، يمثل هذا فقداناً للنفوذ، حيث أصبحت المهرجانات منصات للنقد السياسي بدلاً من الدعاية.
في الختام، يبرز فيلم كوثر بن هنية كرمز للتغيير، حيث تحول صوت طفلة فلسطينية إلى صرخة عالمية تهز أركان النفوذ الإسرائيلي في عالم السينما. مع تزايد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، قد تشهد المهرجانات المقبلة المزيد من مثل هذه اللحظات التاريخية.
