.لابد اولا ان نتساءل : لماذا لجأ الاحتلال الصهيوني في غزة إلى أسلوب الحصار الشديد أخيرا ؟!! لماذا لم يكتف بالقتل الممنهج والإبادة الجماعية بالقصف والدمار ، والبطش بالأسر وترويع الآمنين وارتكاب الجرائم ، وهدم الدور والبنية التحتية ؟!
والجواب : إن قراره بضرب حصار شامل على غزة يؤكد فشله الذريع في تحقيق أيا من أهدافه المعلنة ! فالحصار نسخ لكل أساليبه وعملياته الحربية بما اشتملت عليه من قوة تدميرية تكفي لتغطية حرب عالمية ! وكانه يقول بذلك : لماذا لم يستسلموا ؟! لماذا لم يخرجوا من غزة ؟!! لماذا هم صامدون إلى هذه اللحظة ؟!!
لذلك غير أسلوبه بضرب حصار شامل تنجم عنه مجاعة لعلها تكون فعالة في هزيمة نفسية لسكان غزة ومن وراءهم !
إذا كنت تتساءل أيهما اكبر : أسلاح الحصار أم سلاح الدمار ؟! فالدمار بكل تأكيد اقوى واسرع .. لكنه لم يجد نفعا ولم يحقق هدفا ! فاستبدله الصهاينة بأسلوب الحصار حقدا وتشفيا وغضبا لفشلهم الذريع بينما يعلمون هم ومن وراءهم أن الحصار سيرتد عليهم بمزيد عزلة عالمية ، ومزيد إدانة دولية ، وتأسيس لنبذ سياسي ودبلوماسي في العالم ، وسينعكس بمزيد من التضامن مع الفلسطينيين وقضيتهم وفي النهاية لن يحقق الصهاينة منه هدفا استراتيجيا يمثل لهم نصرا في المعركة .
وكما لم يحرروا أسيرا واحدا بمجرد الدمار ولا حكموا شبرا من غزة وإن احتلوه ، فكذلك لم ولن يحققوا هدفا بأسلوب الحصار ، فالنتيجة بالأسلوبين واحدة، اضف إلى ذلك أنهم يألمون يوميا لقتل جنودهم قنصا او حرقا بالعشرات على يد المقاومة ويظهرون القليل من آلامهم ويخفون البقية عن رعاع شعبهم. ولذلك يرضخون للمفاوضات ويتجرعون مر حضورها ونقاشها !فلو كانت لهم الغلبة والنصر ما أعطوا لنقاشها اهتماما !
حصارهم لغزة إذن تعبير فاضح عن الهزيمة العسكرية الاستراتيجية !! وتأكيد على هزيمتهم الاخلاقية في العالم ، وحينما نقول الأخلاقية فنحن نشير هنا إلى نصر عقدي استراتيجي هو حجر الزاوية في المعركة .
فالعالم الآن يتساءل ما دين (الصهاينة) وما دين (أهل غزة ) !
وهو سؤال جوهري سبق أن طرحته قبائل العرب قبل اربعة عشر قرنا وهم يحجون مكة ويرون قريشا تحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم معه بنو هاشم وبنو المطلب ، فمرت ثلاث سنوات وقبائل العرب تتساءل عن طبيعة قريش وطبيعة المحاصرين في شعاب مكة ؟! ويسألون ما قضيتهم ولماذا يحاصرون بهذه الوحشية ؟!!
فتولدت من تساؤلاتهم قناعة بأن قريشا قوم لا خلاق لهم ولا دين ! فما أن انتهى الحصار حتى توافدت القبائل تعلن إسلامها سرا وجهرا وظهر الإسلام في المدينة ووقعت الهجرة وجاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله افواجا ! فحوصرت قريش في عقر دارها واستسلمت عن بكرة أبيها صاغرة مهزومة ! وبقيت قصة الحصار درسا للتاريخ!
وسنة الله لا تتبدل ! فحصار غزة اليوم عرى الصهاينة أمام العالم وألبسهم لباس الذل والعار ، بل وطال الطبقة السياسية الداعمة لهم في الغرب ! ويتساءل الناس حول العالم الآن أي دين هذا الذي يحمل أهل غزة على كل هذا الصبر والصمود ؟!! إنه المشهد نفسه والسياق نفسه والتساؤلات نفسها … فالمقدمات واحدة والنتيجة حتما واحدة : فتح من الله ونصر قريب وبشر المؤمنين … فعما قريب لينطقن الشجر والحجر ويقول (يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي يختبىء ورائي تعال فاقتله ) فينقلب الحصار على الصهاينة حتى من الحجر والشجر !! وبه بشر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم .
مهما جاع أهل غزة ومهما كان عدد من يموت منهم فلن يمثل ذلك فرقا من الناحية الاستراتيجية ، فهم صامدون على ارضهم بشبعهم وجوعهم وعافيتهم ومرضهم وسكنهم وتشردهم ولو مات منهم مليون نسمة لن ينال ذلك من عزيمتهم شيئا ولن يهنأ للصهاينة بال وقدمهم تطأ ارض غزة فضلا عن أن يحكموها (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز).