من السطحية المعيبة في التحليل أن يقال إن المقاومة في غزة هي من أثار حفيظة إسراىيل ومعها الغرب لتعطيها ذريعة الدخول الى غزة وارتكاب الإبادة الجماعية فيها ، فالعالم يعلم أن غزة محاصرة منذ عشرين سنة ، وأنها كانت ولا تزال أكبر معتقل في العالم فيه اكثر من مليوني إنسان ، وأن معظم من فيها هُجِّروا قسرا من دورهم في عسقلان ومناطق طوق غزة، وأقاموا بها مخيمات .
والعالم يعلم أن القتل في غزة لم يتوقف يوما ، واستباحة جوها وبرها وبحرها من قبل إسرائيل وقتل الابرياء روتين يومي لم يتوقف ابدا ، كما لم يتوقف الاستيطان في طوقها، وفي الضفة الغربية والقدس المحتلة وتهجير اهلها من مساكنهم وكان اخرها حي الشيخ جراح الذي شكل شرارة هذه الحرب.
ناهيك عن ان الهجوم على غزة واستباحة ارضها وتهجير اهلها كانت ولا تزال خطة عسكرية اسرائيلية جاهزة للتنفيذ ، اقرت بذلك زوجة رئيس الأركان الاسرائيلي شهادة عن زوجها ، كما يقر بذلك نتنياهو اليوم وهو يتحدث عن إسرائيل الكبرى لا تشمل غزة والضفة فقط بل تمتد إلى اراضي دول عربية كاملة منها مصر والاردن ولبنان بل ودمشق ايضا باعتبارها جزء من القدس في العقيدة التوراتية . ..فهل هذه الدول مثلا شاركت في هجوم 7 أكتوبر .
هجوم 7 أكتوبر كما صرح بذلك قبل أيام عمرو موسى الامين العام للجامعة العربية، ليس الا حقا طبيعيا للدفاع عن النفس امام دولة محتلة مارقة تسعى كل يوم الى التوسع بلا توقف هدفها الاخير المعلن هو احتلال دول عربية بأكملها لا غزة والضفة وحدها. اما من الناحية الشرعية فلا أحد من العلماء يخالف في أن جهاد الدفع لا يشترط له عدة ولا عدد ولا إذن ولا مدد، فإذا دخل العدو أرضا وجب قتاله كل بما يستطيع كما حدث في مقاومة المستعمر في القرن الماضي برغم ما وقع من القتل في صفوف المدنيين والمقاومة بالالاف .
والآن وبعد نحو عامين من القتال، لم تستطع إسرائيل السيطرة على غزة برغم دخولها عسكريا ، ولم تستطع حسم المعارك وإعلان النصر ، ولا حتى إعلان تحقيق الأهداف التي لأجلها خاضت القتال وعلى رأسها : القضاء عى المقاومة.
أما قتل المدنيين ، وهدم البنية التحتية ، والتجويع ، والترويع ، وهلم جرا من أشكال الإبادة الجماعية فلا يعد من الناحية العسكرية نصرا ، بل هو تعبير عن غضب الهزيمة والعجز عن تحقيق اي هدف عسكري.
لقد دفعت إسراىيل على مدى عامين أثمانا باهضة لم يسبق لها دفعها في اي حرب خاضتها مع جيوش دول مكتملة، وأصاب جيشها من الأسر اولا في 7 اكتوبر ، ما البسها فضيحة (بجلاجل)، ومن القتل بعد ذلك ما حطم اسطورة جيشها حتى صدق عليها قول الشاعر الجاهلي:
لقد بلغ الزوار أقفية العدا — ما جاوز الآمال مالاسر والقتل .
اي من الاسر والقتل .
ويعيش جيشها الان بجنرلاته وضباطه وعساكره حالة يأس وإحباط ورعب يهزمه داخليا حتى قبل خوض المعركة بل يهزمه بعدها ايضا وهذا من أعجب ما عرفته حرب غزة ، فالمنتحرون في صفوف الجيش بعد الرجوع من المعارك يحصون بالعشرات وكأنهم من الرعب يفضلون الموت على الرجوع إلى المعارك .
ناهيك عن الهزاىم الاستراتيجية اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا وأخلاقيا ، فإسرائيل قبل 7أكتوبر ليست هي بعده، إذ اصبحت جحيما بالنسبة لشعب إسرائيل لا يطاق ، لذلك نشطت الهجرة المعاكسة بشكل غير مسبوق حتى نشطت الهجرة السرية بالزوارق باتجاه أوروبا فرارا بالنفس من جحيم محتمل يعم اسرائيل .
سياق الحرب في غزة على هذا يخدم ليس غزة وحدها بل دولا عربية ربما يأتي عليها الدور بعد غزة مما يعلن ذلك نتنياهو بكل جرأة ، ما يعني ان المقاومة في غزة تدافع عن تلك الدول وعن المسلمين وتحطم أحلام الصهاينة باحتلال أجزاء من العالمي الاسلامي ومن تم التحكم في البقية ، وهو ما يوجب دعم المقاومة باعتبارها صمام امان وخط الدفاع الاول عن الأمة بأكملها ، دعما بكل ما يلزم لهزيمة إسرائيل في هذه المعركة الفاصلة.